إذا كان الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط ( Immanuel Kant ) قال بجذرية الشر والمنظرة السياسية حنة أرندت قالت بالشر المبتذل فإن الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن تحدث عن شر آخر وهو الشر المطلق، وِفقه ربما الناس يعتقدون بأن الشر المطلق بعيد لا يمكن أن يتحقق؛ إلا أننا اليوم نشاهده حيث قال فيلسوف الأخلاق بأن براءة الأطفال تزهق كما أن العافية من المستشفيات تطرد؛ يعيش الإنسان الرعب وبالتالي حسب فيلسوفنا القيم تُحتضر.
مما جعل المفكر
المغربي "طه عبد الرحمن" يدعو إلى التصدي لهذا الشر واعتبره واجب
وجوب عين، فقتل نفس واحدة يعني قتل الناس جميعا. يقول المفكر المغربي طه عبد
الرحمان: " يتبين أن ’الشر المطلق‘ ليس مجرد تأزيم للقيم التي بين
أيدينا، بحيث يصح أن نقول: إن الشر المطلق عبارة عن أزمة القيم". يضيف:
" إن الشر المطلق عبارة عن انقلاب القيم، وإنما هو على التعيين، قتل القيم أو
محوها بما يُفقد الإنسان القدرة على تمييز الخير من الشر والحق من الباطل، بحيث
يصح أن نقول: إن الشر المطلق عبارة عن فتنة القيم".([1])
الإنسان كائن هش ومحدود
قد ميز
أستاذ المنطق بين الشر المطلق والشر المتجذّر الذي يعني بأن الإنسان مجبول
على الشر وهو الأمر الذي قال به الفيلسوف الألماني كانط؛ أما الشر المبتذل فهو
الذي تحدثنا عنه في الورقة السابقة بمعنى أن الإنسان يجد نفسه
مجبر على الخضوع للأوامر البيروقراطية ولنا في أدولف ايخمان نموذج؛
أما الشر المطلق وفق الأستاذ طه عبد الرحمان هو حالة قصوى من الإيذاء لعموم
الناس. ينبغي أن نعترف بهشاشة الإنسان؛ يعني وجود نقيض الخير ضرورة، نظرا للحرية
التي يتمتع بها الإنسان فهي تصبح أكثر ضرراً لأن الإنسان ضعيف أمام أهوائه
ورغباته، فيلحق الضعف بعض أفعاله، مما يجعله شريراً، فهذا العجز الذي يحسه الإنسان
يريد أن يخفيه بواسطة الشر؛ وهذا ما نبه إليه الفيلسوف الفرنسي بول
ريكور حيث أكد على أن اللاعصمة ومحدودية الإنسان هي التي ألقت
به إلى دائرة الشر.
مما يعني حسب ريكور
أن عدم تناسب الإنسان مع ذاته ومع العالم الخارجي يجعله ضعيفاً مما يولد له
الإحساس بالدونية فيصبح كائن متسلط يسبب الأذى للآخرين. هذا الأمر يسمح لنا بالقول
الآتي: أينما وُجد الإنسان فثمة شر؛ فالإنسان هو الجاني والمجني عليه. وحسب تصور
الفيلسوف طه عبد الرحمن؛ الشر كان موجوداً منذ القدم لكنه الآن ظهر بكليته؛ حيث تم
تخريب الفطرة التي تعتبر مستودع القيم مما يشكل خطراً على الإنسانية.
يقول
الفيلسوف الفرنسي بول ريكور بأن إمكانية الشر منقوشة في تكوين الإنسان،
والشر هو ما لا ينبغي أن يكون وأن نواجهه بكل الطرق، والتفكير فيه لا يعني إلغائه
والقضاء عليه بشكل كلي ولكن رغبة في التخفيف منه ومن آثاره، لماذا؟ لأن الوجود
يتطلب وجود النقيضين في كل شيء إن كان هناك خير فلا بد من وجود الشر كذلك بهذه
الثنائية أي ثنائية الخير والشر الإنسان يختار أي جانب سيقوم بتغذيته أكثر.
إن الشر هو ضد الخير فهو نتيجة نقصان الإنسان في طبيعته، الشر فعل يتم توجيهه للآخر، وفق أرندت عندما نفكر في الشر فإننا بذلك نفكر فيما وصل إليه الوضع البشري؛ لأن أفعال الإنسان منفتحة على كل الإمكانيات فهذا النقصان والضعف هو الذي يجعل الإنسان يرتكب أفعال بعيدة كل البعد عن الإنسانية. حيث تقول المنظرة السياسية حنة ارنت في كتابها الوضع البشري: " إن الشر الذي ينكشف وقح وهو يقوّض رأساً، العالم المشترك؛ والخير الذي ينكشف ليؤدي دوراً عموميا لم يعد خيراً، إنه يفسد داخليا وهو يحمل معه فساده أين ذهب".([2])
جعل المفكر
المغربي طه عبد الرحمن العلاقة التي تجمع الإنسان بالعالم هي علاقة أمانة
لا علاقة سيادة. إن الشر يمكن تجنبه وذلك بإصلاحٍ على المستوى الأخلاقي، قال
بذلك كانط وحتى أرسطو اعتبر بأن الفضائل الأخلاقية يكتسبها الإنسان بالتعلم.
([1])طه عبد
الرحمان, الشر المطلق ومسؤولية الفيلسوف, جزيرة نت, 2024.
([2])حنة أرندت, الوضع البشري, ترجمة, هادية العرقي, مؤسسة مؤمنون بلا حدود, ص 98.