العنف السياسي ظاهرة كونية ووحشية

سعيدة مهير
المؤلف سعيدة مهير
تاريخ النشر
آخر تحديث

العنف السياسي ظاهرة كونية ووحشية

لقد أصبح العنف السياسي جزء من الحياة اليومية؛ فهو ظاهرة قديمة قدم الإنسان، كما أنه ظاهرة كونية ووحشية وأسبابه متعددة فقد تكون سيكولوجية أو اجتماعية، سياسية. يعتبر العنف السياسي من أكثر أنواع العنف انتشاراً وهو طريقة للوصول إلى السلطة أو الحفاظ عليها، وبالتالي يحضر التخريب والتدمير لتحقيق تلك الأهداف.

  

 إنه منفلت من قبضة الزمان والمكان، والإنسان كما سبق تعريفه بأنه كائن سياسي فهو كذلك عدواني وعنيف. هو عنف يدور حول السلطة وهو متبادل، فهو يمثل الجماعة وتوجهاتها، كما أنه مؤشر دال على عدم الاستقرار الاجتماعي، إن النظام السياسي هو الذي يحتكر أكثر أدوات القوة، كما أن النظام السياسي مطلوب منه تحقيق الاستقرار والأمن وخلق توازن بين طبقات المجتمع؛ ورعاية حقوق المواطنين. يقول الفيلسوف الإنجليزي جون لوك John Locke (1632 1704) في كتابه ’رسالة في التسامح‘: " لكن بما أنه لا أحد يرضى بإرادته عن حرمانه من جزء من خيراته، وبالأحرى من حريته أو حياته، فإن الحاكم مسلح بقوة مكونة من القوة المجتمعية لكل الأفراد، من أجل معاقبة من ينتهكون حق الغير".([1]) وقد يحصل العكس وهو أن هذه النظم السياسية قد تلجأ إلى أسلوب المكر والقمع والسيطرة والاستغلال وتجعل سلطتها قائمة على التخويف والإرهاب مما يتطلب عنف آخر مضاد لكي يعترض على عنف الدولة وقراراتها الجائرة والمطالبة بالحقوق.


يأخذ العنف السياسي صوراً متعددة من ذلك الإرهاب؛ فهذه الجماعة التي تمارس الإرهاب تجبر الدولة على الاستجابة لمطالبها وللوصول إلى ذلك يتم ارتكاب جرائم شنيعة. وكما سبق الذكر فأسباب العنف السياسي متعددة على سبيل المثال القهر الاجتماعي والمطالبة بتوزيع عادل للثروات، فالتفاوت الطبقي يعزز الحقد والسخط الجماعي مما يؤدي إلى الانفجار في وجه المستغلين كلما سنحت الفرصة لذلك. أيضا يحدث العنف السياسي بسبب بعض السياسيين الذين يصلون إلى السلطة بطرق ملتوية ويريدون المحافظة عليها من خلال اللجوء إلى العنف.


 إن ظاهرة العنف السياسي هي انحراف في طبيعة السياسة، لأن المصالح والحقوق ينبغي الحصول عليها بشكل سلمي وشرعي دون اللجوء إلى العنف الذي يلحق أضراراً بالآخرين، لأن غاية السياسة هي نشر الأمن والسلم الاجتماعيين؛ لا زرع الرعب واستعمال سياسة التخويف والإكراه مع القمع والتهميش الذي يحط من كرامة الإنسان.


 هذا النظام السياسي أحياناً يستثير عنف الجماهير، ويتصاعد التفاعل مع الطرف الآخر. يقول باروخ  اسبينوزا  Baruch Spinoza(1632ـ1677) في كتابه ’رسالة في اللاهوت والسياسة‘ في نفس السياق ما يلي: " ...أن الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة، أو إرهاب الناس، أو جعلهم يقعون تحت نير الآخرين، بل هي تحرير الفرد من الخوف بحيث يعيش كل فرد في أمان بقدر الإمكان، أي يحتفظ بالقدر المستطاع بحقه الطبيعي في الحياة وفي العمل دون إلحاق الضرر بالغير".([2])


   يستخدم الإنسان العنف من أجل الحفاظ على السلطة أو الحصول عليها، وهذا هو مُبتغى العنف السياسي، ومن بين شروط السلطة الطاعة يعني هناك قوة لتحقيق ذلك، إلا أنه ينبغي أن تكون سلطة  ذات شرعية وإلا أصبحت طغياناً واستبداداً. والدولة لها حق احتكار العنف الشرعي، حق يحق لها وحدها ممارسته، كما سبق وذكرت فالعنف السياسي قد يكون من طرف الدولة ضد الأفراد أو الجماعات، والعكس صحيح، وأحياناً يكون بين الدول. العنف الممارس من قِبل الدولة على الأفراد أو الجماعات، غالبا ما يتم تبريره بالحرص على النظام العام، والوقوف بوجه من أراد الفوضى. أما الثاني أي العنف الذي يمارسه الأفراد أو الجماعات ضد الدولة فالتبرير هو النضال ضد الاستبداد والاستغلال...نسميه عنفاً احتجاجيا أسبابه قد تكون سياسية، ثقافية، واجتماعية، أما ضحايا العنف السياسي أشكالهم متعددة من الناس منهم الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما يقع.


  إن القوة التي لا تحصل على رضى الأفراد هي تعسف وظلم، حيث تتحول من لعب دور إيجابي إلى العكس، "إذن يتعارض العنف مع السياسة، بل يغيّبها ويقصيها، إذ يرتبط العنف بأفعال غير سياسية في أساسها، مثل تحفيز التخدير الأيديولوجي والتطويع الاجتماعي".([3]) إن العنف مرتبط بمشاعر بعيدة عن السياسة عندما تغيب الحرية والتفكير يكون العنف حاضراً بقوة. حيث يتم استخدام آليات الإرهاب والتخويف والقمع من أجل قيادة الجماهير وأدلجتهم، وهذا ما قامت به الأنظمة الشمولية التي قامت بتزييف الواقع.


 يقول فيليب هانس: " يقدّم العنف السياسي على نحو ما شكلاً متميزاً آخر من أشكال السياسة الزائفة. وكما الأزمة في الثقافة والكذب السياسي، فإن العنف هو في آن شكل من السياسة الزائفة وعنصر في أشكال أخرى".([4]) تم تقديم عدة تفسيرات للعنف السياسي؛ كاستغلال طبقة معينة لطبقات أخرى والسيطرة عليها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. بالإضافة إلى أن وعود وشعارات النظم الكاذبة التي لا تطبق على أرض الواقع؛ أيضا القضاء على حرية التعبير والمشاركة السياسية الفعالة ونهج سياسة القمع. وبالتالي هذه الأمور تقتل روابط الثقة بين القوى السياسية، حيث يفقد المواطنين الثقة في الدولة، مما يساهم في انعدام الاستقرار سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي.


  ويمكن القول، إجمالاً، إن المعظم الغالب من تاريخ السياسة إنما هو الذي ساد فيه ذلك التلازم الماهوي بينها وبين العنف.. عموما تعتبر الاتفاقيات والمواثيق الدولية، أن للإنسان حقوق متعددة من ذلك حقه في الحياة وهذا الحق ينفلت من قبضة العنف السياسي الذي يزهق الأرواح وبالتالي ينتهك حق الإنسان في الحياة".([5])



([1]) جون لوك, رسالة في التسامح, 1962,ترجمة عبد الرجمان بدوي, دار الغرب الإسلامي, بيروت,1988, ص:70ـ 71.

([2])  اسبينوزا, رسالة في اللاهوت والسياسة, ترجمة وتقديم: د. حسن حنفي, مراجعة, د. فؤاد زكريا, دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع, ط1, 2005, بيروت, ص437.

([3]) الفعل السياسي  بوصفه ثورة, دراسات في جدل السلطة والعنف عند حنّه آرنت, مجموعة مؤلفين, إشراف وتنسيق: د. علي عبود المحمداوي, تقديم: د. محمد شوقي الزين, دار الفارابي, بيروت, ط1, 2013,ص227.  

([4]) فيليب هانس, حنّة أرندت: السياسة والتاريخ والمواطنة, ترجمة: خالد عايد أبو هديب, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, ط1, بيروت, 2018, ص179.  

([5])عبد الإله بلقزيز, في أنواع العنف السياسي ومراتبه, صحيفة الخليج, مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية, 2015.

تعليقات

عدد التعليقات : 0