الفلسفة: تعريفها، نشأتها، دورها في بناء المجتمع

سعيدة مهير
المؤلف سعيدة مهير
تاريخ النشر
آخر تحديث

الفلسفة: تعريفها، نشأتها، دورها في بناء المجتمع

يعود لفظ الفلسفة في اللغة العربية على المستوى الاشتقاقي إلى اللفظ اليوناني للكلمة الإغريقية فيلوصوفياφιλοσοφία  فهي مركبة من كلمتين هما : فيلو (φιλο)، وتعني محبة، وصوفيا(σοφία) تعني الحكمة وبالتالي المقصود بها محبة الحكمة؛ أما على المستوى الاصطلاحي فالفلاسفة عبر العصور حددوا الفلسفة انطلاقا من خلفياتهم وتوجهاتهم الفلسفية. فها هو سقراط رغم أنه لم يترك لنا أثر مكتوب إلا أننا من خلال تلميذه أفلاطون الذي وتّق لنا آراءه وأفكاره، من ذلك نستشف تعريفة للفلسفة أولا هي أن يعترف الجاهل بجهله والسعي من أجل معرفة الحقيقة فقد كان يعتمد على الحوار، والتساؤل، والنقد اللادغ لمحاوره والتهكم عليه.


 كان استجواب سقراط للطرف الآخر استجواب بوليسي نوعا ما، فجأة يكتشف المحاور نفسه أمام سقرلط وعدد من الناس بأنه لا يعرف شيئاً ويقدم أجوبة متناقضة أثناء حواره مع سقراط. أما أفلاطون فقد عدّ الفلسفة أداة من أجل فهم ومعرفة عالم المثل باحثاً عن الحقيقة المطلقة غير مكثرت لما هو حسي، ومادي راغبا في ارتقاءِ الروح بعيداً عن الحواس.

 

  أما الفلسفة الحديثة وخاصة مع ايمانويل كانط فقد رأى بأن الفلسفة تساعد على أن يعرف الإنسان حدوده المعرفية، فالمعرفة البشرية محدودة فقد اعتبر قرن كانط قرن النقد بامتياز. هذا رأى للعقل حدود وآخر أي رونيه ديكارت اعتبر بأن العقل هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن نعتمدها من أجل أن نصل إلى الحقيقة من خلال الشك المنهجي. ولكن التجريبي جون لوك أكد على التجربة الحسية وهي التي نثق فيها من أجل معرفة حقيقة الأمور. 

 

  فإذا اعتبر ديكارت بأن الحواس خادعة فإن لوك اعتبر العقل صفحة بيضاء يتم ملؤها بالتجربة الحسية والتفاعل مع العالم، لنذهب إلى الفلسفة الوجودية مع جون بول سارتر الذي يعرف لنا الفلسفة بأنها فعل الحرية والبحث عن المعنى أما مارتن هايدجر فالفلسفة عنده هي هذا التأمل في الوجود مروراً بفيتغنشتاين الذي عدّ الفلسفة بأنها تحليل للغة...


 إذن استناداً على هذا العرض الجد مختصر لبعض الفلسفات؛ نستطيع القول بأن تعريف الفلسفة يختلف من فيلسوف إلى آخر ومن حقبة زمنية إلى أخرى تبعاً لخلفياتهم وتوجهاتهم الفكرية. حيث هناك من اعتبر الفلسفة بأنها البحث عن الحقيقة المطلقة وهناك من اعتبرها بأنها أداة ووسيلة لفهم حقيقة الإنسان وحقيقة الذات وأيضا العالم، هناك من اعتمد على العقل من أجل الوصول إلى هذه الحقيقة وهناك من اعتبر بأن التجربة والحواس هي المصادر الموثوقة من أجل الوصول إلى معرفة حقيقة.

 

فكل فيلسوف أو متخصص أو مفكر، مثقف حاول أن يمدنا بتعريف معين هناك من قال بأنها النظر في حقائق الأشياء أو معرفة الوجود بما هو موجود، في العصر الحديث والمعاصر تم صياغة تعريف اصطلاحي لها وهو أنها ذلك النشاط العقلي الذي من خلاله يحاول الإنسان فهم نفسه وفهم الطبيعة المحيطة به، هذا جانب ومن ناحية أخرى هناك من اعتبر بأن الفلسفة هي ذاك التساؤل والحوار والبحث عن الحقيقة باستخدام العقل والتجربة اعتماداً على أدوات تساعدنا في الوصول إلى الحقيقة. منها الشك والنقد والفحص والتحليل؛ إذن لا بد أن يتسلح الإنسان بهذه الأدوات من أجل أن يتفلسف أو يحمي عقله من الوقوع في فخ الأيديولوجيات والمغالطات.

 

بناء على ذلك يمكن القول بأن الفلسفة تهتم بدراسة الأسئلة المتعلقة سواء بالوجود وبالمعرفة وأيضا بالأخلاق والعقل والحياة، تتهتم بالفن والجمال والمنطق فهي دائمة التساؤل حول معنى الحياة وأيضا السعي من أجل معرفة الحقيقي من الوهمي... الفلسفة أيضا علّمت وتعلم الإنسان استخدام عقله استخداماً جريئاً، أوَ لم يكن شعار التنوير " تجرأ على استخدام فهمك الخاص " كذلك ساهمت الفلسفة في إحدات التغيير في المجتمعات فقد كانت أفكارها تنويرية ومن خلالها قامت الثورات التي كان شعارها كرامة، حرية، عدالة اجتماعية.  بفضل الفلسفة  ظهر ما يسمى الآن بمفهوم حقوق الإنسان.


 زمان ومكان ظهور الفلسفة


بعد أن حددنا معنى الفلسفة على المستوى اللغوي والاصطلاحي الآن نود أن نعرف متى وأين ظهرت الفلسفة؟ يميل عدد من المؤرخين إلى القول بأن الفلسفة ظهرت كمنهج فكري في القرن السادس قبل الميلاد، أما مكان النشأة فهو اليونان القديمة. يعد طاليس الملطي أول من طرح بشكل فعلي أسئلة فلسفية بعد أن كانت الخرفات والأساطير هي صاحبة الكلمة في تلك الفترة. فكانت أسئلته تدور حول الطبيعة والكون.


 فقد كان في اليونان القديمة مجموعة من الفلاسفة اطلق عليهم اسم الحكماء الطبيعيون فقد كان لهم الفضل في تفسير الأمور بشكل عقلاني منطقي، بعيداً عن الأساطير والخرفات، كان البحث عن أصل الكون وعناصره الأساسية. من بين الأمور التي حاولوا البحث فيها وتقديم إجابات عن تلك الأسئلة، من بين هؤلاء الحكماء طاليس الملطي الذي اعتبر الماء هو العنصر الجوهري الذي يتكون منه كل شيء.

 

 أما أناكسيماندر وهو تلميذ لطاليس فقد رأى بأن اللامحدود أو " الأبيرون"  هو أصل الوجود، كذلك تطرق لمسألة الأضداد التي يتكون منها الكون على سبيل المثال الحار والبارد، الجاف والرطب. كذلك بارمينيدس الذي اعتبر بأن الوجود واحد وثابت غير قابل للتغيير. 


عوامل ظهور الفلسفة في اليونان القديمة


أن تظهر الفلسفة في اليونان القديمة بكل تأكيد لم يكن ذلك من باب الصدفة بل نتيجة لمجموعة من العوامل التي تضافرت فيما بينها لتكوين الفلسفة. من ذلك العامل الجغرافي حيث كانت تقع المدن اليونانية في موقع استراتيجي؛ سهل عليها عملية التبادل التجاري وأيضا الثقافي. الذي ساهم في الانفتاح على حضارات أخرى؛ كالحضارات الشرقية القديمة مثل الحضارة المصرية والفينيقيين.


 هذا الانكشاف سمح لليونانيون بالتعرف على أفكار وثقافات ومعتقدات جديدة دعمت في تشكيل أرضية خصبة في بروز التفكير الفلسفي أخرى بالإضافة إلى العامل الجغرافي والموقع المتميز، فإن العامل السياسي لعب كذلك دور فعّال في ظهور الفلسفة في اليونان القديمة، فقد كانت ذات نظام سياسي ديمقراطي حيث تمتع المواطنين بحقهم في المشاركة الفعالة في النقاشات العامة والمساهمة في اتخاذ القرارات .

 

فقد تمتع الأثينين بحرية التعبير والفكر التي كان من بين ثمارها ظهور الفلسفة, ينبغي الإشارة كذلك بأن قبل انبثاق الفلسفة كان التفسير الأسطوري الميتولوجي هو المهيمن والمسيطر في فهم العالم، لذلك انحسار الأساطير وبروز التفكير العقلاني المنطقي  وسبق وقلنا أعلاه بأن الفلاسفة الطبيعيون الأوائل حاولوا تفسير الطبيعة بشكل عقلاني انطلاقا من عناصر طبيعية كالماء والهواء والتراب؛ بدلا من الآلهة وهذا الأمر شكل خطوة مركزية وأساسية في تكوّن التفكير الفلسفي والانتقال من الأسطورة إلى العقل.

 

 كما أن المناقشات الجدلية التي كانت في الأغورا ساعد على توفير مناخ جيد لنشوء الفلسفة، لا ننسى كذلك تعدد آلهة أثينا لأن هذا التنوع الديني خفف من صرامة الالتزام الديني  وأعطى لليونانيين حرية التفكير في طبيعة الكون والوجود. بناء على ذلك، فإن ظهور الفلسفة وتطورها في اليونان القديمة هو نتاج هذا التفاعل بين العوامل السياسية والجغرافية والثقافية عجلت بظهور الفلسفة كمنهج عقلاني .


 دور وأهمية الفلسفة في بناء المجتمع


  في المحصلة، فإن الفلسفة تسهم في تطوير الفكر النقدي، وتساعد على فهم العالم والذات، فهي تطرح الأسئلة العميقة حول الوجود والقيم  كما أنها تسعى إلى تأسيس أخلاقي للمجتمع؛ نظراً لأنها تقدم المبادئ والقيم التي  تتأسس عليها العلاقات الإنسانية. كما أنها تعالج ما هو سياسي حيث تقوم بتحليل وتوجيه النظم السياسية كطرح الأسئلة حول السلطة، والحرية والعدالة والمساواة.


  لقد قدم الفلاسفة أفكارهم التي ساهمت في صياغة النظريات التي توجه النظم السياسية كما أنها تبذل قصارى جهدها لنقد الأيديولوجيات. لأن من بين مهام الفيلسوف هي الكشف عن التناقضات وطرح بدائل تكون أكثر عقلانية وإنسانية هذا من جهة ؛ومن جهة أخرى تعمل الفلسفة على إثراء النقاشات العامة حول قضايا متعددة وهو أمر يعزز التفكير المستنير. فضلا عن أنها تحث على فهم الآخر وتقبل التعددية داخل المجتمع هذا يساعد في بناء مجتمعات أكثر انفتاح وتسامح لذلك فهي ليست مجرد تفكير نظري بعيدة عن الواقع كما يُشاع بل هي أكثر قربا من المجتمع وقضاياه.

تعليقات

عدد التعليقات : 0